الاسراء والمعراج

**المستشار** الخميس 25 سبتمبر 2014, 4:09 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

الاسراء انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم ليلاً من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى في القدس ، والمعراج صعوده صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى السموات العلى

وقد اختلف المؤرخون في الوقت الذي وقعت فيه هذه المعجزة ، فاليعقوبي والطبري وابن الأثير يجدون الاسراء والمعراج بعد نزول الوحي مباشرة ، وابن هشام وابن كثير يجعلونها قبل وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنهما والمشهود أنها وقعت بعد عودته صلى الله عليه وسلم من الطائف في العام الحادي عشر للبعثة النبوية

وكما اختلفوا في وقتها اختلفوا أيضاً في حقيقتها هل كانت بالروح والجسد أم أنها بالروح فقط ؟ ولكل منهم دلالته فالدكتور محمد حسين هيكل له رأي موجزه أن عقول الناس عاجزة عن فهم معنى الاسراء والمعراج فاختلفوا فيه ، فروح محمد صلى الله عليه وسلم في ساعة الاسراء والمعراج اجتمعت في وحدة هذا الوجود بالغة منتهى كمالها ، ولم يقف أمام ذهن محمد وروحه في تلك الساعة حجاب من الزمان أو المكان أو غيرهما من الحجب التي تجعل حكمنا نحن في الحياة نسبياً ومحدوداً بحدود قوانا الحسية والعقلية . لقد تداعت في تلك الساعة كل الحدود أمام بصيرة محمد واجتمع الكون كله في روحه فوعاه منذ أزله إلى أبده وليس يستطيع هذا السمو إلا قوة فوق ما تعرفه الطبائع الانسانية ، فإذا جاء من بعد ذلك ممن اتبعوا محمداً من الناس من عجز من متابعته في سمو فكرته وقوة إحاطته بوحدة الكون فلا عجب في ذلك ولا عيب فيه لقصور عقله وطبيعته الانسانية عن إدراك مثل هذا الحدث

ويرى الشيخ محمد متولي الشعراوي أن الاسراء والمعراج كانتا بالروح والجسد وأن الله سبحانه وتعالى لما كانت طبيعة الجسم البشري لا تتفق مع ملكوت السموات أدخل في بشرية محمد ما جعلها صالحة للصعود للسموات

ولن نخوض في غمار هذه الخلافات لأنها إلى العقيدة أقرب منها إلى التاريخ والراجح أن رحلة الاسراء والمعراج كانت بالروح والجسد معاً ، فالممعن في الآية الأولى من سورة الاسراء والآيات الأولى من سورة النجم لا يملك إلا التصديق بذلك ، وألفاظ هذه الآيات لا تحتمل غير ذلك ففي قوله تعالى { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } فالعبد لا يكون إلا روحاً وجسداً ، وتصدير الآية بلفظ "سبحان" يدل على أن الأمر أعظم من أن يكون رؤيا منامية ، أما قوله تعالى { فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى } وقوله تعالى { ما زاغ البصر وما طغى } ، فألفاظ ( عبده - الفؤاد - رأى - البصر ) لا يمكن أن تطلق إلا إذا كان محمد بجسده وروحه

وطالما أن الاسراء والمعراج معجزة من معجزات محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد أن تختلف فيها العقول وتحار فيها الأفهام وإلا لو وصلت العقول والأفهام إلى مكنون سر هذه الرحلة الالهية لانتفى كونها معجزة وأصبحت شيئاً عادياً يستطيع العقل البشري المحدود أن يحيط بمكنونه ومعرفة أسراره ، وبمرور الوقت وتعاقب الزمن تنتفي فيها المعجزة وتصبح شأنها شأن المخترعات الحديثة تبهر العقول عند اختراعها وسرعان ما يألفها الناس بمرور الوقت وتصبح شيئاً عادياً . ولكن ستبقى معجزة محمد خالدة باقية ، ولتحار فيها الأفهام وتختلف فيها العقول فهذا سر الاعجاز في هذه الرحلة الالهية العجيبة

أما موقف قريش من الاسراء والمعراج ، فعندما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم في صبيحة ليلتها كذبوه وصفقوا وصفروا استهزاءاً به وسخرية منه وقالوا : إن رحلة بيت المقدس تأخذ منا شهراً ذهاباً وشهراً إياباً ، أتزعم أنك أتيته في ليلة ؟

وأسرع جماعة من المشركين إلى أبي بكر وأخبروه بأن محمداً يقول أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس وعاد قبل أن يصبح . قال أوقد قال ذلك ؟ قالوا نعم ، قال لئن قال إذن صدق إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه في خبر السماء في غدوه وروحه

وعادت قريش إلى محمد تريد إظهار كذبه فسألته أن يصف لهم بيت المقدس فجلى الله له البيت فوصفه لهم باباً باباً وأبو بكر يقول صدقت يا رسول الله فسمي من يومها بالصديق

ثم عادت قريش تطالبه بأشياء تبرهن بها على صدق قوله فذكر لهم أنه مر ببني فلان وهم نيام ولهم إناء فيه ماء قد غطوه فكشف غطاءه وشرب ما فيه ثم غطاه كما كان ، وأخبرهم بأن القافلة ستصل بعد مغيب شمس هذا اليوم يتقدمها جمل أورق عليه غرارتان أحداهما بيضاء والأخرى برقاء ، وبالفعل وصلت القافلة في الوقت وعلى الهيئة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتها قريش عن أمر الاناء فأخبرتهم بما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومع ذلك لم تصدق قريش الرسول وكذبته وعادت إلى أشد مما كانت عليه من الجمود والصد والاتهام واستمر محمد يدعو كل من لقيه إلى الاسلام