رابعة العدوية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
رابعة العدوية
بسم الله الرحمن الرحيم
قامت في جوف الليل تدعو الله ضارعة وتقول : إلهي أنارت النجوم ونامت العيون وغلقت الملوك أبوابها وهذا مقامي بين يديك ، إلهي ما أصغيت إلى صوت حيوان ولا حفيف شجر ولا خرير ماء ولا ترنم طائر ولا تنعم ظل ولا دوي ريح ولا قعقعة رعد إلا ووجدتها شاهدة بوحدانيتك دالة على أنه ليس كمثلك شيء . سيدي بك تقرب المتقربون في الخلوات ولعظمتك سبحت الحيتان في البحار الزاخرات ولجلال قدسك تصافقت الأمواج المتلاطمات . أنت الذي سبح لك سواد الليل وضوء النهار والفلك الدوار والبحر الزخار والقمر النوار والنجم الزهار وكل شيء عندك بمقدار لأنك الله العلي القهار
وذات مرة قالت لأبيها : يا أبت لست أجعلك في حل من حرام تطعمنيه ، فقال لها أرأيت إن لم أجد إلا حراماً ؟ قالت نصبر في الدنيا على الجوع خير من أن نصبر في الآخرة على النار
إنها رابعة بنت إسماعيل العدوية ، ولدت في البصرة لرجل فقير صالح ومات أبواها وتركاها صغيرة تواجه مع أخواتها الثلاث صعوبات الحياة ، ولما حل الجفاف هاجرت أخوات رابعة بينما أبت هي الهجرة معهن فتركنها وحيدة حتى وجدها اللصوص فأخذوها وباعوها لتاجر ثري ذاقت تحت يده ذل الرق والعبودية
وعلم التاجر أنها تصلي طوال الليل وذهب ليتأكد من ذلك فسمعها تدعو : إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك ونور عيني في خدمتك ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك ولكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبادك . فرق لها التاجر فأعتقها وأطلق سراحها وانصرفت بعد ذلك للزهد والعبادة وقراءة القرآن وظل ذلك دأبها طوال عمرها
وجاء أحد التجار يطلبها للزواج وقال لها : إني أربح في اليوم ثمانين ألف درهم وأنا أخطبك لنفسي ، فقالت له : إن الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن ، والرغبة فيها تورث الهم والحزن ، صم دهرك واجعل الموت فطرك فما يسرني أن الله خولني أضعاف ما خولك فيشغلني به عنه طرفة عين . والسلام
وعندما أتى رجل ليعطيها أربعين ديناراً وقال لها تستعينين بها على بعض حوائجك بكت ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت هو يعلم أني أستحي منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها فكيف أريد أن آخذها ممن لا يملكها ؟ يا هذا وما ترى من سوء حالي ألستُ على الاسلام ؟ فهو العز الذي لا ذل بعده والغنى الذي لا فقر معه والأنس الذي لا وحشة معه
فقام الرجل وهو يقول : ما سمعت مثل هذا الكلام ، فقالت له : إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وأنت تعلم فاعمل
كانت رابعة العدوية تصلي الليل فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر فتثب من مرقدها وهي فزعة وتقول : يا نفس كم تنامين ؟ وإلى كم تقومين ؟ يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور . ثم تبكي وهي ساجدة فإذا رفعت رأسها يُرى موضع سجودها مبلل من دموعها
قال لها رجل ذات يوم يا رابعة ادع لي ، فقالت من أنا يرحمك الله ؟ أطع ربك وادعه فإنه يجيب المضطرين
وقالت لها امرأة يا رابعة إني أحبك في الله ، فقالت لها : فلا تعصي وأطيعي من أحببتني فيه ، فسألتها أترين من تعبدين ؟ فقالت لو كنت لا أراه ما عبدته
عاشت رابعة حتى صارت عجوزاً كبيرة لها ثمانون سنة ، وكانت من زهدها في الحياة أن بدت ضعيفة تكاد تسقط على الأرض وهي تمشي وكانت تضع أكفانها أمامها فإذا ذكر الموت انتفضت وأصابتها رعدة ، وحين قرب موتها قالت لخادمتها عبدة : يا عبدة لا تؤذِني بموتي أحداً وكفنيني في جبتي هذه وفي خماري الصوف ليكمل لي بهما ثوابي يوم القيامة
وتوفيت في سنة مائة وخمس وثلاثين من الهجرة وعمرها ثمانون عاماً وقبرها يقع بظاهر القدس
ومن أقوالها المأثورة :
أستغفر الله العظيم من قلة صدقي في قولي
كلوا خبز الدنيا واعملوا للآخرة
محب الله لا يسكن أنينه وحنينه حتى يسكن في جنة محبوبه
وكانت توصي الناس بقولها اكتموا حسناتكم كما تكتموا سيئاتكم
المستشار- الـمديـر العــام
- رقم العضوية : 2
عدد المساهمات : 2105
تاريخ التسجيل : 21/12/2013
رد: رابعة العدوية
شكرا..
Braha14- عضو مبدع
- رقم العضوية : 38
عدد المساهمات : 157
تاريخ التسجيل : 31/10/2014
رد: رابعة العدوية
شكراً لمرورك على الموضوع
جزاك الله خيراً
المستشار- الـمديـر العــام
- رقم العضوية : 2
عدد المساهمات : 2105
تاريخ التسجيل : 21/12/2013
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى