حوار في السماء

**المستشار** الثلاثاء 04 نوفمبر 2014, 7:05 am

بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً : الجن في الأرض

خلق الله الأرض وبسطها وجعل فيها أمرها .. والأمر هنا عمارتها .. وأول عمار للأرض كانوا الجن الذين عاشوا فيها زمناً ليس باليسير .. كل ذلك قبل أن يجعل الله فيها خليقة - أي قبل أن يخلق آدم أبو البشر

يقول المسعودي :

" إن الله تعالى أسكن ظهر الأرض - لما فرغ من خلقها - الجن قبل آدم ، فجعلهم من مارج من نار وإبليس فيهم ، فنهاهم الله أن يسفكوا دم البهائم وأن يظهروا المعصية بينهم ، فسفكوا وعدا بعضهم على بعض ، فلما رآهم إبليس لا يقلعون عن ذلك سأل الله أن يرفعه إلى السماء ، فصار مع الملائكة يعبد الله أشد عبادة

وأرسل الله إلى الجن - وهم حزب إبليس - قبيلاً من الملائكة فطردوهم إلى جزائر البحار وقتلوا من شاء الله منهم وجعل الله إبليس على سماء الدنيا خازناً فوقع في صدره كِبر

ثم شاء الله عز وجل أن يخلق آدم فقال الله تعالى للملائكة { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً } البقرة 30 ، قالوا ربنا ومن يكون ذلك الخليفة ؟ قال تكون له ذرية ويفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضاً ، فقالوا { أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعلَمُ مَا لا تَعلَمُونَ } البقرة 30 "

واعلم أخي القارىء أن الملائكة حينما قالت { أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ الدِّمَاءَ } لم يكونوا في موقف المعارض فحاشا لله ! والملائكة قوم كرام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولكن الحقيقة التي نستشفها أن الملائكة كانوا في موقف المتعجب أو المندهش لحكمة الله ، وما كان لهم قط الخروج عن أمره أو التدخل في شأنه سبحانه .. ذلك من منطلق أن الله غني عن العالمين ، لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين

ولقد كان الرد الشافي على موقف الملائكة الكرام بما جعلهم يسلمون لأمر ربهم ويطمئنون لحكمته قوله تعالى { إِنِّي أَعلَمُ مَا لا تَعلَمُونَ }

**المستشار** الثلاثاء 04 نوفمبر 2014, 7:11 am

ثانياً : الشيطان يسأل

وصف الله عز وجل إبليس - لعنة الله عليه - بقوله { وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ } البقرة 34 ، فهل يعني ذلك أن إبليس كان قبل رفضه للسجود وانصباب اللعنة عليه - كان منافقاً في عبادته .. اختلفت الآراء حول ذلك :

حكى محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في أول كتابه المسمى الملل والنحل حكي عن ماري شارح الأناجيل الأربعة ، وهي مذكورة في التوراة متفرقة على شكل مناظرة بينه وبين الملائكة بعد الأمر بالسجود

قال إبليس للملائكة : إني أسلم أن لي إلهاً هو خالقي وموجدي وهو خالق الخلق لكن لي عن حكمة الله تعالى أسئلة سبعة

الأول : ما الحكمة في الخلق لا سيما إن كان عالماً بأن الكافر لا يستوجب عند خلقه الآلام ؟

الثاني : ثم ما الفائدة في التكليف مع أنه لا يعود منه ضرر ولا نفع ، وكل ما يعود على المكلفين فهو قادر على تحصيله لهم من غير واسطة التكليف ؟

الثالث : هب أنه كلفني بمعرفته وطاعته ، فلماذا كلفني بالسجود لآدم ؟

الرابع : ثم لما عصيته في ترك السجود لآدم ، فلم لعنني وأوجب عقابي مع أنه لا فائدة له ولا لغيره فيه ولي فيه أعظم الضرر ؟

الخامس : ثم لما فعل ذلك ، فلم مكنني من الدخول إلى الجنة ووسوست لآدم عليه السلام ؟

السادس : ثم لما فعلت ذلك ، فلم سلطني على أولاده ، ومكنني من إغوائهم وإضلالهم ؟

السابع : ثم لما استمهلته المدة الطويلة في ذلك ، فلم أمهلني ومعلوم أن العالم لو كان خالياً من الشر لكان ذلك خيراً ؟

قال شارح الأناجيل : فأوحى الله تعالى إليه من سرادقات الجلال والكبرياء : يا إبليس إنك ما عرفتني ولو عرفتني لعلمت أنني لا أُسأل عما أفعل

وبذلك سقطت شبهات اللعين ولم يجد مناصاً فهو من الخاسرين

**المستشار** الثلاثاء 04 نوفمبر 2014, 7:13 am

ثالثاً : الحقد الدفين وحوار اللعين

ظن إبليس بعد إجلاء الجن الفسدة عن الأرض - أنه طالما يعبد الله وهو من الجن فإنه سيكون الخليفة فيها - أليس هو العابد الناسك الذي قاد جند الملائكة في تطهير الأرض من الجن الذين أفسدوا فيها وعصوا أمر ربهم

فلما علم إبليس أن الله سيخلق بشراً من طين ويجعله خليفة في الأرض حقد على آدم قبل أن يخلقه الله واعتقد أنه المخلوق الذي أخذ ما كان يتمناه هو لنفسه

وخلق الله آدم ثم صوره وتركه بلا روح من صلصال كالفخار حتى أتى عليه مائة وعشرون سنة ، وقيل أربعون سنة ، مصداقاً لقوله تعالى { هَل أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهرِ لَم يَكُن شَيئَاً مَذكُورَاً } الانسان 1

فكانت الملائكة تمر به فيفزعون منه وكان أشدهم فزعاً إبليس ، كان يمر به فيضربه برجله فيظهر له صوت كظهوره من الفخار وتكون له صلصلة ، وذلك قوله تعالى { مِن صَلصَالٍ كَالفَخَّارِ } الرحمن 14

**المستشار** الثلاثاء 04 نوفمبر 2014, 7:15 am

رابعاً : الصدمة الكبرى

وما أن قال الله تعالى { إِنِّي خَالِقٌ بَشَرَاً مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فِيهِ مِن رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } ص 71-72 ، حتى أصيب اللعين بصدمة كبرى وتحرك حقده وخاب أمله وهو يقول لنفسه : أيكون آدم خليفة ويُسجد له ؟ إنها لمصيبة كبرى

{ فَسَجَدَ الـمَلائِكَةُ كُلُّهُم أَجمَعُونَ } ص 73 ، وفجأة يرفض إبليس السجود بعد أن كان من الطائعين { إِلا إِبلِيسَ استَكبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ } ص 74 ، وخسر إبليس ماضيه بموقف التكبر والعناد .. ويزداد الحوار ألماً

قال الله تعالى : { قَالَ يَا إِبلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لِمَا خَلَقتُ بِيَدَيَّ أَستَكبَرتَ أَم كُنتَ مِنَ العَالِينَ } ص 75 ، وكان الرد من اللعين حمقاً وغباءً

رد إبليس : { قَالَ أَنَا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ } ص 76 ، وبهذه الاجابة خرج الشيطان من رحمة الله لأنها إجابة المتكبر المعترض ، إنها الاجابة التي حملت الحقد القديم فترجمته إلى عمل الشر والدفع إلى السوء إلى يوم الدين

من ذا الذي أدرى إبليس أن النار أفضل من الطين - لقد وقع اللعين في الخسران المبين

قال الله تعالى : { قَالَ فَاخرُجْ مِنهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيكَ لَعنَتِي إِلَى يَومِ الدِّينِ } ص 77-78 ، استحق إبليس من الله أن يطرده من رحمته وأن يكتب عليه اللعنة فأصبح وأعوانه حطب جهنم

**المستشار** الثلاثاء 04 نوفمبر 2014, 7:18 am

خامساً : استمهال إبليس

وحباً في الشر وأملاً في إغواء الانسان وزيادة في الحقد عليه .. طلب اللعين من الله الامهال

رد إبليس : { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرنِي إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ } ص 79 ، وقد استجاب الله لطلبه لحكمة يعلمها الله وهو الحكيم الخبير ، يقول الله تعالى { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الـمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الوَقتِ الـمَعلُومِ } ص 80-81 ، وهذا تفضل من الله على إبليس

ومع ذلك يزداد الشيطان عناداً ويشعل نار الفتنة ويصمم على الشر . رد إبليس : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنهُمُ الـمُخلَصِينَ } ص 82-83

فأعلمه الله بمصيره لإصراره على الإغواء وليعلم هو وجنده أن العذاب ينتظرهم يوم الدين ، يقول الله تعالى { قَالَ فَالحَقُّ وَالحَقَّ أَقُولُ * لأَملأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنهُم أَجمَعِينَ } ص 84-85

**المستشار** الثلاثاء 04 نوفمبر 2014, 7:21 am

وبعد ،

هذا هو عدوك أخي الانسان .. لقد أراح نفسه ممن كفر بالله وشغل نفسه بعباد الله .. يتربص بهم الدوائر ويحيك لهم المؤامرات وينزغ بينهم .. ويزين لهم السيئات .. ويغرقهم في الشهوات ..

ولكن هناك صنف من الناس لا يستطيع اللعين أن يوسوس لفكرهم ولا أن يخترق أجسادهم .. إنهم عباد الرحمن يقول الله تعالى فيهم { إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوعِدُهُم أَجمَعِينَ } الحج 42-43

[ من : حوار مع الشيطان / للشيخ محمد الصايم ]

Braha14 الإثنين 24 نوفمبر 2014, 5:31 pm

بارك الله فيكم...

**المستشار** الإثنين 24 نوفمبر 2014, 8:51 pm

وفيكم بارك الله

شكراً لمرورك أخي

ياسين الإثنين 02 يناير 2017, 12:56 pm

مشكور على المجهود

**المستشار** الثلاثاء 03 يناير 2017, 12:16 am

مجيد الأربعاء 10 مايو 2017, 10:48 pm

مشكور اخي

**المستشار** الخميس 11 مايو 2017, 1:23 pm

حوار في السماء

حوار في السماء

رد: حوار في السماء

رد: حوار في السماء

رد: حوار في السماء

رد: حوار في السماء

رد: حوار في السماء

رد: حوار في السماء

رد: حوار في السماء

رد: حوار في السماء

رد: حوار في السماء

رد: حوار في السماء

رد: حوار في السماء