طرق الشيطان الرجيم في إضلال العبيد
صفحة 1 من اصل 1
طرق الشيطان الرجيم في إضلال العبيد
يشكل عالم الشياطين العدو الخفي والأشد ضراوة على بني آدم ، فهو لا يفتأ يفسد أخلاق بني آدم وعقائدهم ويورث بينهم العداوة والبغضاء ، لذلك فلا غرو أن تواتر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في بيان خطر هذا العدو وسبل إضلاله وإفساده حتى يحذره الناس ويكونوا في مأمن من مكره وشره
وقد بسط الله سبحانه القول في الشيطان في آيات كثيرة وأوضح طرائق إضلاله وإغوائه في بيان جلي أقام به الحجة على الخلق وأزال به كل عذر لمعتذر
فمن تلك الآيات قوله تعالى { إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُم عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إِنَّمَا يَدعُو حِزبَهُ لِيَكُونُوا مِن أَصحَابِ السَّعِيرِ } فاطر 6 ، وهذا إعلان صريح بعداوة الشيطان لبني آدم عداوة لا هوادة فيها ولا مجاملة ، وأن على العباد أن يقابلوا هذه العداوة بمثلها { فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً }
ولم يكتف بهذا الاعلان وإنما أتبعه بآيات كثيرة تبين سب إغواء الشيطان وإضلاله للعبيد ، فقال سبحانه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَن يَتَّبِع خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ وَالـمُنكَرِ } النور 21 ، ففي هذه الآية بيان للطريقة التي يتعامل بها الشيطان مع ضحاياه فهو لا يهجم عليهم دفعة واحدة ليخرجهم من الايمان إلى الكفر ومن الطاعة إلى المعصية ، بل يتدرج للوصول إلى هدفه وينظر نقاط الضعف في الشخص ويحاول أن يلج من خلالها ، فإن وجد فيه قوة في دينه أتاه من جانب المباحات وحرضه على الاكثار منها ليضيع عليه بعض المستحبات ، ثم لا يزال به حتى يتهاون بالسنن وهكذا حتى يتهاون بالواجبات
وإن وجد في الشخص غلواً وميلاً نحو التطرف في جانب من جوانب الدين حبب إليه البدع والمحدثات ، ثم لا يزال به حتى يجعل منه حامياً لها مدافعاً عنها بل ركناً من أركانها
وإن وجد في الشخص تهاوناً في الواجبات وانهماكاً في المحرمات فتلك الغنيمة الباردة حيث لا يزال يحثه على التفلت من الفرائض ويحرضه على الاكثار من فعل الحرام حتى يصبح عديم الدين والخلق
ولا يكتفي الشيطان بإضلال العباد فحسب بل يتبع إضلاله تزييناً لباطله فلا يدع ضحاياه فريسة لتأنيب الضمير وإنما يحاول أن يبقيهم في سلام داخلي مع أنفسهم بأن يزين لهم أعمالهم فلا يشعروا بأي نفور عنها أو أنها مخالفة للفطر والعقول ، قال تعالى { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ } الأنعام 43 ، وقال أيضاً { وَإِذ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ أَعمَالَهُم } الأنفال 48 ، ويأتي هذا التزيين على شكل مبررات يسوقها الشيطان لضحاياه لتبرير أفعالهم ، فالذي يزني ويأتي الفواحش يزين له أنه يمارس حريته الشخصية ، والذي يسرق ويختلس يزين له أنه يستعين بذلك على تكاليف الحياة ، والذي يمارس الدكتاتورية والقهر يزين له أنه يحافظ على وحدة الشعب وتماسكه من الدعوات الطائفية والعرقية وهكذا دواليك
ومن العجيب أن أسلحة الشيطان في ذلك لا تخرج عن التأثير النفسي ، وهو ما سماه الله بالوسوسة ، وهي حديث النفس والكلام الخفي الذي لا يُسمع فالشيطان يوسوس في صدور الناس ويأمرهم بالمنكر وينهاهم عن المعروف وقد مكنه الله من مخاطبة النفس والايحاء إليها ، قال تعالى { قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الوَسوَاسِ الخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ } ، فالوسوسة هي سلاح إبليس الأمضى وما أخرج آدم عليه السلام من الجنة إلا وسوسة إبليس ، قال تعالى { فَوَسوَسَ إِلَيهِ الشَّيطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَل أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبلَى } طه 120 ، ورغم افتقاد إبليس للسلاح المادي في الاضلال إلا أنه قد أغوى أكثر الخلق - والعياذ بالله - وكان لوسوسته تأثير كبير على إضلال البشر ، يساعده في ذلك موافقة أهواء النفس وشهواتها لما يدعو إليه فيجتمع على العبد نفسه وشيطانه فلا يقف أمامهما إلا خالص المؤمنين وإلا فالغالب يقع في أسر الشيطان وسلطانه وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة
هذا مع أن الله قد أخبر { إِنَّ كَيدَ الشَّيطَانِ كَانَ ضَعِيفَاً } النساء 76 ، إلا أن ضعف النفس البشرية أمام المغريات قد أعطى لضعف الشيطان قوة ، ذلك أن قوة العدو في أحيان كثيرة لا تستند إلى قوة ذاتية بقدر ما تستند إلى ضعف الخصم وتراخيه واستسلامه ، لذلك كانت الآيات القرآنية منصبة على التحذير من وسائل الشيطان وأساليبه في الغواية من أجل تقوية النفس البشرية وتحصين دفاعاتها
فذكر الله سبحانه حقيقة مطالبه وغايات دعوته وأنها لن تؤدي بالانسان سوى إلى الشقاء في الدنيا والآخرة ، فقال سبحانه { الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاءِ } البقرة 268 ، فالشيطان لا يريد إسعاد البشرية بل إهلاكها ولا يريد غنى البشرية بل إفقارها ولا يريد طهارة البشرية بل تدنيسها
وبين سبحانه أن من غايات إبليس إيقاع البشرية في النزاعات الداخلية والخارجية وإشعال الحروب والعداوات بين المؤمنين ، قال تعالى { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُوقِعَ بَينَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ فِي الخَمرِ وَالـمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهُونَ } المائدة 91
وبين أن كل الرذائل والمنكرات والفواحش مصدرها إبليس اللعين ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالـمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ } المائدة 90
وفي إطار الصراع الشامل بين الخير والشر ومعسكر الايمان ومعسكر الكفر يستعمل الشيطان في سبيل هزيمة المؤمنين أساليب متعددة منها نشر الخوف والذعر فيما بين المؤمنين ، قال تعالى { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيطَانُ يُخَوِّفُ أَولِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُم وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ } آل عمران 175 ، قال مجاهد ( يخوف المؤمنين بالكفار ) ، والخوف إذا استبد بالانسان يفقده كل قدرة على المبادرة ويشل تفكيره ويجعله ضمن مخططات الغير فلا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً
ومن أساليب إبليس التي يتبعها لهزيمة المؤمنين نشر الاشاعات الكاذبة والأخبار المحبطة ، قال تعالى { وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لاتَّبَعتُمُ الشَّيطَانَ إِلا قَلِيلاً } النساء 83 ، في دلالة ظاهرة على أن نشر الاشاعات الكاذبة ما هي إلا وحي من الشيطان ووسوسته يريد بذلك تخذيل المؤمنين وإضعافهم
وفي سبيل محافظة إبليس على معسكر الشر خاضعاً وتابعاً له فإنه يبدأ معهم بالأماني والأحلام فيعدهم النصر على المؤمنين ويعدهم الغنى والرفاهية والثراء ، قال تعالى { يَعِدُهُم وَيُمَنِّيهِم وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيطَانُ إِلا غُرُورَاً } النساء 120 ، غير أنه لن يكون مصير هؤلاء الحالمين أتباع الشيطان سوى الفشل والخذلان ، قال تعالى { وَكَانَ الشَّيطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً } الفرقان 29
المستشار- الـمديـر العــام
- رقم العضوية : 2
عدد المساهمات : 2105
تاريخ التسجيل : 21/12/2013
رد: طرق الشيطان الرجيم في إضلال العبيد
نماذج من كيد الشيطان
أولاً : تغيير خلق الله ، قال تعالى { وَلآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلقَ اللهِ } حيث لم يقتصر سعيه على الفساد بمخالفة الله في شرعه ولكن تعدى ذلك إلى مخالفة الله في خلقه ، وقد ذكر المفسرون من وجوه تغيير خلق الله ما كان يفعله أهل الجاهلية مثل فقء عين البعير ويسمونه ( الحامي ) ، وهو الذي حمى ظهره من الركوب لكثرة نسله فيترك للطواغيت لا يركب ، ومنه ما يرجع إلى أغراض ذميمة كالوشم وكذلك كي وجوه الحيوان بالنار
ويدخل في معنى تغيير خلق الله وضع المخلوقات في غير ما خلقها الله له كجعل الكواكب آلهة وجعل الخسوفات والكسوفات دلائل على أحوال الناس ، وكل ذلك من وحي الشيطان ومكره لإضلال الخلق عن عبادة الله وتوحيده
ثانياً : الصد عن ذكر الله ، قال تعالى { وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ } المائدة 91 ، وهذا من أعظم مقاصد الشيطان أن يضرب الغفلة على قلوب العباد حتى يسهل السيطرة عليها بعد ذلك ، فإن ذكر الله أعظم طارد للشيطان
وقد وصف الله الشيطان بوصفين متقابلين وهما الوسواس الخناس ، فالوسواس من الوسوسة وهي حديث النفس الذي يلقيه إبليس على بني آدم ، والخناس كثير الخنس وهو الاختفاء وذلك أن العبد إذا ذكر ربه خنس الشيطان وهرب ، قال مجاهد : إذا ذكر الله خنس وانقبض وإذا لم يذكر انبسط على القلب
ثالثاً : إضلال العلماء ، وهذا من أعظم ما يحرص عليه الشيطان لأن إضلال العالم إضلال لأتباعه ، وقد ذكر الله خبر عالم آثر هواه على طاعة مولاه فتمكن الشيطان منه واستولى عليه فكان من زمرة جنده وكان مصدر إضلال وإغواء للعباد بعد أن كان مصدر هداية وإرشاد لهم ، قال تعالى { وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذِي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنهَا فَأَتبَعَهُ الشَّيطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ } الأعراف 175
فينبغي للعالم أن يكون أشد حذراً من شراك إبليس ومكائده ، وليعلم أن علمه لن يجعله بمنأى عن كيد إبليس ومكره والله العاصم بحوله وقوته
رابعاً : نزغ الشيطان ، قال تعالى { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } الأعراف 200 ، شبه سبحانه حدوث الوسوسة الشيطانية في النفس الانسانية بنزغ الابرة ووخزها لخفائها وخفاء أثرها ، وهو تشبيه بليغ إذ أن الانسان لا يشعر بوسوسة إبليس وربما كان من الغفلة بمكان بحيث لا يشعر بأثر تلك الوسوسة ، فنبه سبحانه العباد على سبيل دفع وسوسة إبليس ودفع أثرها وذلك بالالتجاء إليه والاستعاذة به من الشيطان وكيده فهو القادر سبحانه على إذهاب أثر تلك الوسوسة وإزالة ضررها
خامساً : طائف الشيطان ، قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُم طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُبصِرُونَ } الأعراف 201 ، في الآية تصوير بليغ لمحاولة إبليس إضلال بني آدم فهو يطوف حولهم طواف النازل بالمكان قبل دخوله حتى إذا أصاب منهم حالة غفلة وإعراض أصابهم بمسه ، فأطلق في نفوسهم خواطر المعصية والسيئات
غير أن المؤمن فطن خبير بكيده ومكره فيطرده عنه بذكر الله سبحانه وقبل تمكن الخواطر الشيطانية من نفسه لأن تلك الخواطر إذا أهملت لم تلبث أن تصير عزماً ثم عملاً ثم عادة يصعب التخلص منها
سادساً : استفزاز الشيطان بني آدم ومشاركتهم في الأموال والأولاد ، قال تعالى { وَاستَفزِز مَنِ استَطَعتَ مِنهُم بِصَوتِكَ وَأَجلِبْ عَلَيهِم بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكهُم فِي الأَموَالِ وَالأَولادِ وَعِدهُم وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيطَانُ إِلا غُرُورَاً } الاسراء 64 ، فهذه الآية صورت أعظم المعارك وأقدمها وهي معركة ساحتها وميدانها قلب ابن آدم وعقله ، وطرفاها الشيطان وبني آدم وغرضها الاستيلاء على ابن آدم قلباً وقالباً وإخضاعه لطاعة إبليس وحزبه ، وسلاح إبليس في هذه الحرب صوته
والمراد به هنا كل صوت يدعو إلى مثل ما يدعو إليه إبليس من الفواحش والمنكرات ، وخيله ورجله والمراد بهم جنده الذين يرسلهم لإضلال العباد ، ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن أبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة )
ومن سلاح إبليس أيضاً وعوده وأمانيه التي يعد ويمني بها الناس إن هم أطاعوه وامتثلوا أمره ، وبهذا السلاح أخرج آدم عليه السلام وزوجه من الجنة حين قال لهما { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَن هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَينِ أَو تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ } الأعراف 20 ، ولم يكن وعده إلا كذب وتغرير
سابعاً : تسويل الشيطان وإملاؤه ، قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ ارتَدُّوا عَلَى أَدبَارِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى الشَّيطَانُ سَوَّلَ لَهُم وَأَملَى لَهُم } محمد 25 ، وهي من طرق الشيطان في أغواء وإضلال من استبان له الحق وعرف الهدى وذلك بتحسين الشيء وتزيينه وتحبيبه وتسهيله حتى تقبل عليه النفوس راغبة مقدمة لا يتقاعس بها كره ولا مشقة ، فإن اعترضها ذكر الموت ومخافة الفوت عالجها إبليس بالاملاء وهو التغرير بالأمل وطول العمر
ثامناً : النجوى من الشيطان ، والنجوى في اللغة التكتم في الكلام سواء كان بين اثنين أو جماعة ، والتي من الشيطان ما كان فيها تآمر عل حق أو إضرار بمسلم أو إدخال للشك في نفسه ، قال تعالى { إِنَّمَا النَّجوَى مِنَ الشَّيطَانِ لِيَحزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيسَ بِضَارِّهِم شَيئَاً إِلا بِإِذنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَليَتَوَكَّلِ الـمُؤمِنُونَ } المجادلة 10
عن قتادة قال : " كان المنافقون يتناجون بينهم وكان ذلك يغيظ المؤمنين ويكبر عليهم فأنزل الله الآية " أ.هـ
وقد وردت الأحاديث النبوية الكريمة بالنهي عن التناجي في الحالات التي توقع الريبة وتزعزع الثقة وتبعث الهواجس
جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه ) ، وهو أدب رفيع وتحفظ حكيم لإبعاد كل الريب والشكوك . فأما حيث تكون هناك مصلحة في كتمان سر أو ستر عورة في شأن عام أو خاص فلا مانع من التشاور في سر وتكتم
تاسعاً : وحي الشيطان لأوليائه من الانس ، وهذا الوحي هو نوع من الوسوسة غير أن هدفه يتركز في إمداد الكافرين بما يظنونه حججاً لتثبيتهم على ما هم عليه من الباطل ، وهو من أخطر أنواع وسوسة الشيطان وكيده ، إذ تدفع إلى مضادة أمر الله وشرعه بتحليل ما حرمه أو تحريم ما حلله
ومن صور هذا الوحي الشيطاني ما أشار إليه الحق في قوله { وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لَم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عَلَيهِ وَإِنَّهُ لَفِسقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَولِيَائِهِم لِيُجَادِلُوكُم وَإِن أَطَعتُمُوهُم إِنَّكُم لـمُشرِكُونَ } الأنعام 121 ، حيث أوحى الشيطان إلى المشركين ليحتجوا على تحريم أكل الميتة بالقول : يا محمد أتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتل الكلب والصقر حلال ، وما قتله الله حرام !!
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( أتى أناس النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل الله ؟ فأنزل الله { فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللهِ عَلَيهِ } الأنعام 118 ) رواه الترمذي
ولا شك أن حجة الشيطان وحزبه ما هي إلا تشويش وتشغيب على الحق ، إذ كل مقتول أو ميت فقد مات وقتل بقضاء الله وقدره عند انتهاء أجله ، فتخصيص أحدها بأن الله قتلها دون غيرها باطل بلا شك
عاشراً : تنزل الشياطين على الكهنة والعرافين ، وذلك أن ثمة اتفاق قائم بين الشياطين من جهة وبين الكهنة والعرافين من جهة أخرى ، وهذا الاتفاق يقضي بأن يزود الشياطين الكهنة بما يسترقونه من أخبار الغيب ، ويقوم الكهان والعرافون باستعمال هذه الأخبار في إفساد العباد وتضليلهم بأن يزيدوا على خبر الصدق أضعافاً مضاعفة من الكذب والدجل
لذلك حذر الله منهم وبين حقيقة أمرهم ، وبين أن ما يأتون به الناس إنما مصدره وحي الشيطان لا تنزل ملائكة الرحمن وأنهم ليسوا سوى كذبة أفاكين استمرأوا الاثم والفجور ، قال تعالى { هَل أُنَبِّئُكُم عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلقُونَ السَّمعَ وَأَكثَرُهُم كَاذِبُونَ } الشعراء 221-223
وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ( سئل عن الكهان فقال ليسوا بشيء ، قيل يا رسول الله فإنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حقاً ، فقال تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون عليها أكثر من مائة كذبة ) متفق عليه
وإنما توسعت الآية في بيان حال الكهان لأن حالهم قد يلتبس على ضعفاء العقول ببعض أحوال النبوءة في الإخبار عن الغيب ، فبينت الآية أن قصارى أمر الكهان الإخبار عن أشياء قليلة قد تصدق في القليل النادر
فأين هذا من هدي النبي والقرآن من الإخبار عن المغيبات السابقة واللاحقة مع ما اشتملا عليه من الآداب والارشاد والتعليم والبلاغة والفصاحة والصراحة والاعجاز العلمي والتشريعي
حادي عشر : إدخال الشيطان الشك على المؤمن في عقيدته ، وهذا يأتي في سلم أولويات الشيطان في سعيه لإضلال العباد ، وذلك أنه إذا أدخل الشك على المؤمن في دينه وعقيدته سلبه إيمانه ويقينه فلا بقاء للإيمان مع الشك ، فالشك مقرون بالكفر واليقين مقرون بالايمان ، قال تعالى { إِنَّمَا الـمُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُوا } الحجرات 15
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أن الشيطان يأتي على المؤمن فيشككه في أصل الوجود ، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك ؟ فيقول : الله تبارك وتعالى ، فيقول من خلق الله ؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه )
قال المناوي في فيض القدير " أي قل أخالف عدو الله المعاند وأؤمن بالله وبما جاء به رسوله ( فإن ذلك يذهب عنه ) لأن الشبهة منها ما يندفع بالإعراض عنها ومنها ما يندفع بقلعه من أصله ، وذلك يتطلب البراهين والنظر في الأدلة مع إمداد الحق بالمعرفة ، والوسوسة لا تعطي ثبوت الخواطر واستقرارها فلذا أحالهم على الإعراض عنها "
قال الغزالي : " من مكايد الشيطان حمل العوام ومن لم يمارس العلم ولم يتبحر فيه على التفكر في ذات الله وصفاته ، في أمور لا يبلغها حد عقله حتى يشككه في أمور الدين أو يخيل إليه في الله خيالاً يتعالى الله عنه ، فيصير به كافراً أو مبتدعاً وهو به فرح مسرور متبجح بما وقع في صدره ، يظن أن ذلك هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بذكائه وزيادة عقله ، وأشد الناس حمقاً أقواهم اعتقاداً في عقل نفسه ، وأثقب الناس عقلاً أشدهم اتهاماً لنفسه وظنه ، وأحرصهم على السؤال من العلماء ، والنبي لم يأمره في علاج هذا الوسواس بالبحث فإن هذا الوسواس يجده العوام دون العلماء وإنما حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعاشهم ويتركوا العلم للعلماء "
ثاني عشر : التبذير والاسراف ، وهما مسلكان في الانفاق يدعو إليهما الشيطان لأنهما إما إنفاق في الفساد وإما إسراف يستنزف المال في السفاسف واللذات فيعطل الانفاق في الخير ، وكل ذلك يرضي الشيطان فلا جرم أن كان المتصفون بالتبذير من جند الشيطان وإخوانه ، قال تعالى { إِنَّ الـمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورَاً } الاسراء 27 ، ومعنى إخوان الشياطين أي أنهم من أتباع الشياطين وحلفائهم كما يتابع الأخ أخاه
هذه بعض سبل الشيطان في إضلال العباد وإفسادهم والحيلولة دون عبادتهم لربهم ، ومع هذا البيان الواضح والتحذير الجلي إلا أن أكثر الخلق أتباع له ، والسبب أن طريق الله محفوف بالمكاره وطريق الشيطان محفوف بالشهوات ، والنفوس تقبل على الشهوات العاجلة - وإن كانت عاقبتها الألم والحسرة - أكثر من إقبالها على المكاره - وإن كانت عاقبتها الجنة - ، قال تعالى { بَل تُؤثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا * وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقَى } الأعلى 16-17 ، وقال صلى الله عليه وسلم ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) رواه مسلم ، فينبغي على المسلم الحريص أن يستعيذ بالله من شر الشيطان وشركه وأن يكون على بصيرة من وجوه مكره وحيله حتى يستطيع أن ينجو منها وأن يسمو بنفسه عن شهواتها فالشهوات بريد المعاصي والسيئات
( المصدر : إسلام ويب )
المستشار- الـمديـر العــام
- رقم العضوية : 2
عدد المساهمات : 2105
تاريخ التسجيل : 21/12/2013
مواضيع مماثلة
» حرق الشيطان والعاصي من الجان
» لعلاج وسوسة الشيطان
» ( دعاء يستغيث منه الشيطان ) ... ؟!
» أسباب اقتران الشيطان بالانسان
» أشكال حضور الشيطان على الانسان
» لعلاج وسوسة الشيطان
» ( دعاء يستغيث منه الشيطان ) ... ؟!
» أسباب اقتران الشيطان بالانسان
» أشكال حضور الشيطان على الانسان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى