طريقان لمعرفة الله
صفحة 1 من اصل 1
طريقان لمعرفة الله
الرب تعالى يدعو عباده في القرآن إلى معرفته من طريقين : أحدهما النظر في مفعولاته ، والثاني التفكر في آياته وتدبرها ، فتلك آياته المشهودة وهذه آياته المسموعة والمعقولة
فالنوع الأول كقوله { إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ الَّتِي تَجرِي فِي البَحرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ } البقرة 164 إلى آخرها ، وقوله { إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ الَّتِي تَجرِي فِي البَحرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ لآيَاتٍ لِأُولِي الأَلبَابِ } آل عمران 190 . وهو كثير في القرآن
والثاني كقوله { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ } النساء 82 ، وقوله { أَفَلَم يَدَّبَّرُوا القَولَ } المؤمنون 68 ، وقوله { كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ إِلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } ص 29 . وهو كثير أيضاً
فأما المفعولات فإنها دالة على الأفعال والأفعال دالة على الصفات ، فإن المفعول يدل على فاعل فعله ، وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه لاستحالة صدور الفعل الاختياري من معدوم أو موجود لا قدرة له ولا حياة ولا علم ولا إرادة
ثم ما في المفعولات من التخصيصات المتنوعة دال على إرادة الفاعل ، وإن فعله ليس بالطبع بحيث يكون واحداً غير متكرر ، وما فيها من المصالح والحكم والغايات المحمودة دال على حكمته تعالى ، وما فيها من النفع والاحسان والخير دال على رحمته ، وما فيها من البطش والانتقام والعقوبة دال على غضبه ، وما فيها من الاكرام والتقريب والعناية دال على محبته ، وما فيها من الاهانة والابعاد والخذلان دال على بغضه ومقته ، وما فيها من ابتداء الشيء في غاية النقص والضعف ثم سوقه إلى تمامه ونهايته دال على وقوع المعاد ، وما فيها من أحوال النبات والحيوان وتصريف المياه دليل على إمكان المعاد ، وما فيها من ظهور آثار الرحمة والنعمة على خلقه دليل على صحة النبوات ، وما فيها من الكمالات التي لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أن معطي تلك الكمالات أحق بها
فمفعولاته من أدل شيء على صفاته وصدق ما أخبرت به رسله عنه ، فالمصنوعات شاهدة تصدق الآيات المسموعات منبهة على الاستدلال بالآيات المصنوعات
قال تعالى { سَنُرِيهِم آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ } فصلت 53 ، أي أن القرآن حق فأخبر أنه أنه لا بد أن يريهم من آياته المشهودة ما يبين لهم أن آياته المتلوة حق ، ثم أخبر بكفاية شهادته على صحة خبره بما قام من الدلائل والبراهين على صدق رسوله
فآياته شاهدة بصدقه وهو شاهد بصدق رسوله بآياته فهو الشاهد والمشهود له وهو الدليل والمدلول عليه ، فهو الدليل بنفسه على نفسه كما قال بعض العارفين : كيف أطلب الدليل على من هو دليل لي على كل شيء ؟ فأي دليل طلبته عليه فوجوده أظهر منه . ولهذا قال الرسل لقومهم { أَفِي اللهِ شَكٌّ ؟ } إبراهيم 10 ، فهو أعرف من كل معروف وأبين من كل دليل ، فالأشياء عرفت به في الحقيقة وإن كان عرف بها في النظر والاستدلال بأفعاله وأحكامه عليه
( الفوائد - ابن قيم الجوزية )
المستشار- الـمديـر العــام
- رقم العضوية : 2
عدد المساهمات : 2105
تاريخ التسجيل : 21/12/2013
مواضيع مماثلة
» أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم
» ترحيل جار السوء
» التوكل على الله
» حكم قول لا سمح الله و لا قدر الله
» رد السحر على الساحر
» ترحيل جار السوء
» التوكل على الله
» حكم قول لا سمح الله و لا قدر الله
» رد السحر على الساحر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى